عشية العشر
في هذه الأيام ونحن في استقبال شهر عظيم وأيام مباركات أقسم الله بها في كتابه إعظاماً لمقامها، وتنبيهاً على فضلها، ينشط كثير من الدعاة والعلماء في توعية عامة الناس، وتذكير خاصتهم بفضائل العشر من ذي الحجة.
وقد تنوعت طرق التوعية بتنوع وسائل الاتصال مع الجماهير، لكن من الملاحظ تركيزهم على العبادات الظاهرة؛ من صلاة وصيام وقيام وأذكار، وهي من الخير العظيم، وباب كبير للحصول على رضى الرب سبحانه وتعالى، إلا أنه من المهم أن ننطلق من أعمال القلوب التي هي قاعدة أعمال البدن، والتي لا تصح إلا بصحة أعمال القلوب.
لأن الآفة العظمى التي يعاني منها مجتمعنا اليوم هي دخن القلوب،وضلال الجنان، وظلمة الفؤاد بالمعاصي الباطنة؛ فهي الآفة التي أضعفت سرائرنا مع ربنا، وأخرت إجابة دعواتنا، وسلطت علينا أعداءنا.
إن قلّة الثقة بالله، وزيادة الثقة بالمخلوق، والزهد بما وعد الله، واستعجال ما نهى عنه، وانتشار الحسد والغل والحقد بين عامة المسلمين، وغيرها من الأمور المهمة هي التي يجدر بالعالم والداعية العناية أكثر بعلاجها؛ فإن إصلاح محرك العربة أولى من تلميعها من الخارج، وإن غسل الثوب وتطهيره أولى من تطييبه وتعطيره، لاسيما أن أعمال القلب هي مناط الثواب والعقاب، وأما الأعمال الظاهرة فهي تبع للقلب؛ فبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد، (وإنما الأعمال بالنيات).
فكم هو مهم وضروري أن نلقي على مسامع العامة ونذكرهم دوماً بهذا الموضوع المهم، وأن يكون ديدننا مع أنفسنا والآخرين نبذ الحسد والحقد والكراهية، وانتقاص الآخرين؛ بتعزيز مفهوم التوكل والرضى والصدق مع الله؛ فالأعمال الباطنة أولى بالرعاية من الأعمال الظاهرة، وكلاهما مهم، وقد قال بكر بن عبدالله المزني رحمه الله: (ما فضل أبو بكر عن الناس بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه).
بقلم/ تركي عيسى المطيري
مدير إدارة الإفتاء